مقال رأي .. أحمد منسي
إذا كنت من مشجعي ريال مدريد فأنت ولا شك ما زلت تمتلك نشوة الفوز المستمر بالبطولات على مدار المواسم السابقة، ولكن على قدر تلك النشوة تبقى في الحلق غصة من بعض القرارات الغريبة التي تتخذها إدارة الفريق الملكي في مختلف النواحي، ولا شك أن أهم تلك النواحي هي الإبقاء على المهاجم الفرنسي كريم بنزيما في صفوف الفريق، لا شك أن لديك عدة تساؤلات.
لماذا على مدار 8 مواسم استغنى “الميرينغي” عن كل من جاور المهاجم الفرنسي وأبقى عليه هو تحديدًا لقيادة الهجوم رغم إهداره المستفز للهجمات؟ لماذا رحل هيغواين وتشيشاريتو وموراتا وحتى ماريانو دياز وبقى بنزيما؟ لماذا تباطأ النادي في التعاقد مع أغويرو وسواريز وكافاني وليفاندوفسكي وغابرييل خيسوس وأخيرًا هاري كين وأبقى على مهاجمه الفرنسي الذي ينخفض معدله التهديفي كثيرًا عنهم؟ لماذا “بنزيما” تحديدًا هو صاحب القيمة الأعلى في الشروط الجزائية بين لاعبي الفريق الإسباني جنبًا إلى جنب مع نجم الفريق الأول كريستيانو رونالدو؟
ستكون إجابتي لا منطقية إن حاولت إقناعك أن تحركات المهاجم الفرنسي وحدها هي المبرر لبقائه على قيد أولويات ريال مدريد، لن تسمن إجابتي ولا تغني من جوعك إن أخبرتك أن “بنزيما” المهاجم أفضل لخطط ريال مدريد من غيره من نجوم الصف الأول بين مهاجمي العالم.
لن تعجبك إجابتي، ولكن حاول أن تكتم ضيقك، إن حاولت إعلامك أن 4 سنوات أخرى سيمتد خلالها عقد المهاجم جزائري الأصل مع “البلانكوس” لن تشهد ضم مهاجم جديد من الطراز الأول ليحل محله في خط الهجوم، وكل ما يمكن أن يتم هو التعاقد مع مهاجم آخر بديل للمهاجم الفرنسي، ويتضح ذلك من اتجاه فريق العاصمة الإسبانية للتعاقد مع اسم صاعد مثل المهاجم الألماني تيمو فيرنر لن يشترط الحصول على فرصة المشاركة أساسيًا بشكل مستمر.
وإذا لم تكن تحركات المهاجم الفرنسي هي سبب بقائه الوحيد مع ريال مدريد، يمكن أن توضح ظروف انضمامه للفريق الملكي السبب بشكل أكبر، “بنزيما” الذي انضم إلى الفريق الإسباني عام 2009 قادمًا من فريق ليون الفرنسي، في صفقة قُدرت بـ35 مليون يورو، في نفس الموسم الذي تعاقد فيه فريق العاصمة الإسبانية مع الجناح البرتغالي كريستيانو رونالدو من فريق مانشستر يونايتد الانجليزي مقابل نحو 94 مليون يورو كأغلى لاعب في العالم في ذلك الحين.
بالتأكيد لم يكن هناك تضاد بين اللاعبين في أرضية الميدان بحكم اختلاف مركزيهما، فهذا مهمته التمرير وصناعة الأهداف، وهذا مهمته التسجيل وإحراز الأهداف، ولكن وعلى العكس تمامًا، فبينما شارك “بنزيما” في 33 مباراة ساهم خلالها في 15 هدفًا، سجل منهم 9 فقط وصنع 6، بنسبة 3:2 لصالح تسجيل الأهداف، شارك البرتغالي في 35 مباراة، ساهم خلالهم في 45 هدفًا، سجل منها 33 هدفًا وصنع 12 بنسبة 3:1 لصالح التسجيل.
هل يبدو الأمر غريبًا؟ بالنسبة إليك ولما تدركه من أرقام في الوقت الحالي فليس هذا بمُستغرب، ولكن إذا ما قارننا أرقام اللاعبين بموسمهما السابق مع فريقي ليون ومانشتر يونايتد فسيتضح الفارق جليًا، الفرنسي في آخر مواسمه مع ليون ساهم في 29 هدفًا، سجل منهم 23 وصنع 6 فقط، بنسبة 3:1 لصالح التسجيل، فيما ساهم “رونالدو” مع فريقه الانجليزي بموسمه الأخير في 38 هدف، سجل منهم 26 وصنع 12 بنسبة 2:1 لصالح التسجيل.
إذًا فالشراكة التي جمعت بين اللاعبين زادت من قوة أحد اللاعبين وأفقدتها للآخر، فجعلت من كريستيانو مسجلًا للأهداف بشكلٍ أقوى على حساب “بنزيما”، وسخرت الآخر لخدمة اللاعب البرتغالي، سواءً بالتحركات المباشرة لترك المساحات التي يستطيع رونالدو استغلالها، أو بالتمريرات الحاسمة التي تمكنه من تسجيل الأهداف على النحو الذي وصل إليه.
فلماذا إذًا لا يمكن القول إن التحركات وحدها هي السبب في بقاء “بنزيما”؟ لأن تحركاتٍ كهذه لا يمكن أن تخرج إلا من لاعب كـ”بنزيما”، إذا كان الكل قد أجمع على أن نيمار قد خرج من برشلونة حتى لا يعيش في ظل ميسي، فإن هناك من ارتضى من في الجزء الآخر من إمبراطورية فرانكو أن يكون هو نفسه ظلًا للبرتغالي كريستيانو رونالدو.
إذا كانت التساؤلات قد استغرقت تفكيرك حول سبب واحد مقنع للإبقاء على المهاجم الفرنسي في صفوف الفريق الملكي، فدعني أنا أقتحم عليك عقلك وأطرح عليك عدة تساؤلات قد تقودك إلى إيجاد إجابة منقية عن الأسئلة التي تدور في عقلك.
لك أن تتخيل أن من يشارك “رونالدو” قيادة الهجوم في مدريد هو المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي، هل تتوقع أن يسجل 19 هدفً فقط على مدار الموسم بأكمله ويصنع 9 أهداف بنسبة 2:1، في الوقت الذي يسجل فيه البرتغالي أكثر من ضعف عدد أهدافه بـ42 هدفًا ويصنع 12 هدفًا، بنسبة 3.5:1، وهو المهاجم الأساسي للفريق كما فعل بنزيما في الموسم الماضي؟
ربما يكون ذلك ظرف خاص بالموسم الماضي بسبب تحويل “زيدان” جناحه البرتغالي في كثير من الأحيان إلى مهاجم صريح؟ إذن فهل يقبل سرخيو أغويرو مثلًا أن يلعب مع الفريق 395 مباراة منذ قدومه، يشارك في 315 منهم بشكل أساسي، ويخرج من الملعب في 205 مباراة منهم، أي أنه يغادر الملعب في 65% من مباريات فريقه كما فعل المهاجم الفرنسي في السنوات الماضية؟
الإجابة بشكل واضح وصريح أنك لن تجد مهاجمًا يقبل بمثل تلك الأمور، أو بمعنى أدق أن يكون هو الخادم المطيع للفريق ككل ولنجمه الأول كريستيانو رونالدو بشكلٍ أخص، بلا غضب من أن يكون بديلًا، أو أن يخرج من أرضية الميدان، أو من صافرات الاستهجان من الجمهور، أو مماطلة في تجديد التعاقد، أو اشتراط المساواة مع نجم الفريق الأول أو الاقتراب منه بشكل كبير، الإجابة الملخصة لكل تلك العبارات أنك لن تجد كريم بنزيما آخر!
